حل أو أمل في مشكلة الاقتصاد المصري ؟

حل أو أمل في مشكلة الاقتصاد المصري ؟


مقال بقلم : ولاء عرابي

الجمعة - 23 فبراير سنة 2024 | 11:48 مساءً

يُعَدُّ الأداء الاقتصادي لأي دولة مدفوعًا بمجموعة ديناميكية من العوامل التي تتطور باستمرار. وتشمل هذه العوامل الإنفاق الاستهلاكي، والثقة والأنشطة الاستثمارية لقادة الأعمال، وأسعار الفائدة على الاقتراض، وتوافر العمالة، من بين عوامل أخرى عديدة. ومن الأهمية بمكان التوصل إلى فهم عميق لكيفية عمل هذه المتغيرات، حيث يمتلك كل منها القدرة على التأثير على قيمة الأدوات المالية.

ما العوامل الاقتصادية؟

العوامل الاقتصادية هي المتغيرات التي تؤثر على الاقتصاد العام، وكذلك على الأفراد والشركات. كما يتم إنشاؤها من خلال جمع وتجميع البيانات من مختلف قطاعات الاقتصاد.

يمكن تصنيف عوامل الاقتصاد الكلي من عناصر مثل معدلات الضرائب، والسياسات المالية، والسياسات النقدية، وكلها تقع ضمن نطاق سيطرة الحكومة والبنك المركزي. ولهذه العوامل القدرة على التأثير على معدلات النمو الاقتصادي، ومستويات التضخم ,ومعدلاتِ البطالة.

السياسة النقدية

تتمتع البنوك المركزية في معظم الاقتصادات الكبرى بمهمة مزدوجة تتمثل في الحفاظ على استقرار الأسعار وتعزيز النمو الاقتصادي. وهي تحقق هذه الأهداف من خلال تنفيذ السياسات النقدية، وتحديدًا إدارة عرض النقود وأسعار الفائدة. ولهذه السياسات تأثير مباشر على تكلفة اقتراض الأموال والعوائد المتاحة للمدخرين.

السياسة المالية

تُشير السياسة المالية إلى تعامل الحكومة مع الضرائب والإنفاق. عندما يتم تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق العام، فإن ذلك يؤدي عادةً إلى زيادة الاستهلاك والإنتاج الاقتصادي. ومن ناحية أخرى، فإن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام تميل إلى إحداث تأثير عكسي.

تتمتع السياسة المالية بالقدرة على توجيهها بدقة نحو قطاعات محددة وبدرجةٍ عالية من الدقة. على سبيل المثال، يمثل مشروع قانون الطاقة الخضراء الأمريكي التزامًا شاملًا وطويل الأمد بتخصيص 11 مليار دولار أمريكي من الأموال العامة من أجل النهوض بمبادرات الطاقة النظيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

كيف يمكنني متابعة العوامل الاقتصادية؟

تظل خطوة الاقتراض في جميع الحالات مؤشرا على التعثر الاقتصادي الجنيه المصري سجل انخفاضا غير مسبوق مقابل الدولار منذ قيام الجمهورية الجديدة في عام 2013

وأيضا الإعلان عن عمل مدينة ترفيهية جديدة بالقرب من العاصمة الإدارية الجديدة بكلفة مبدئية تتجاوز 50 مليار جنيه مصري (2.5 مليار دولار أميركي) وقبلها ببضعة أسابيع تم الكشف عن ملكة السماء، أحدث الطائرات المنضمة لأسطول الطائرات الرئاسية التي اشترتها مصر بكلفة 500 مليون دولار ( 10 مليارات جنيه مصري) مع تكلفة تشغيل تتجاوز الـ13 ألف دولار للساعة وتستهلك 10 آلاف لتر من الوقود في الساعة.

حينما نضع هذه الصور المتناقضة بجوار بعضها نحاول فهم مشكلة الاقتصاد المصري والحل؟

حينما اندلعت موجات الاحتجاجات والربيع العربي في 2011 لم يكن الوضع في مصر كارثيا من الناحية الاقتصادية، فقد كانت هناك معدلات نمو جيدة نسبيا 7.1% في عام 2007 و7.2% في عام 2008.

وفي 2009 التي تعد ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية كان معدل النمو 4.7%، وفي عام 2010 بلغ معدل النمو 5.1% فأين تكمن المشكلة؟

فتِّش عن الفقر والبطالة وعدم عدالة توزيع الدخل القومي المشكلة الكبرى كانت تكمن في ازدياد معدلات الفقر وغياب شبه تام للتنمية الشاملة التي ترتكز على خلق قاعدة صناعية تتماشى مع التركيبة الديمغرافية للمجتمع المصري والمزايا النسبية التي تتمتع بها الدولة المصرية من موقع جغرافي وثروات طبيعية والتي تؤدي في حالة وجود حركة صناعية ناجحة إلى زيادة الصادرات وتقليل الواردات وإصلاح الخلل الهيكلي في ميزان المدفوعات.

وكذلك انعدام خطط الاكتفاء الذاتي من الحبوب والزيوت والثروة الحيوانية التي تستوعب عشرات الملايين من العمالة وتحفظ البلاد من المخاطر والتقلبات الاقتصادية وتحافظ على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي.

لم تتمتع مصر آنذاك بنظام ضرائبي قويم ونتيجة عدم وجود خطط تنموية وعدم تطبيق أي عدالة ضرائبية اتسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء وزاد معدل الفقر، بالإضافة إلى تردي ملف الحقوق والحريات. هذه العوامل أدت إلى تململ فئات كثيرة من الشعب المصري وحدث زلزال يناير/كانون الثاني 2011.

يحاول المسؤولون المصريون تحميل أزمتي الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا مسؤولية الفشل الاقتصادي وهذا كلام غير دقيق وتبرير غير منطقي، فوفقا لبيانات البنك المركزي المصري فإن رصيد العملات الأجنبية السالب ومخاطر الديون ظهرت منذ نهاية 2021 أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

حينما قامت الجمهورية الجديدة في 3 يوليو/تموز 2013 توقع بعض الخبراء أن تتم خطة للتنمية الشاملة بدعم سخي وغير مسبوق بأكثر من 50 مليار دولار منحا ومساعدات وأكثر من 120 مليار دولار قروضا خارجية (من يوليو/تموز 2013 إلى يوليو/تموز 2022) بالإضافة إلى ديون داخلية من يوليو/تموز 2013 إلى يوليو/تموز 2022 قرابة الـ 5 تريليونات جنيه (250 مليار دولار) بمعنى أن الجمهورية الجديدة حصلت على أكثر من 420 مليار دولار ما بين منح ومساعدات وقروض داخلية وخارجية.

والنتيجة كانت أكثر من 30 مليون مصري تحت خط الفقر و5 ملايين مصري تحت خط الفقر المدقع وانهيار الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي (قبل قيام الجمهورية الجديدة في 3 يوليو/تموز 2013 كان الدولار الأميركي يعادل 6.35 جنيهات، والخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 تخطى 24 جنيها، ويتوقع ارتفاعه أكثر حسب تقديرات مؤسسات مالية).

هل “كوفيد-19” والحرب الروسية الأوكرانية هما السبب وراء أزمة مصر الاقتصادية؟ يحاول المسؤولون المصريون تحميل أزمتي الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا مسؤولية الفشل الاقتصادي وهذا كلام غير دقيق وتبرير غير منطقي، إذ طبقا لبيانات البنك المركزي المصري فإن رصيد العملات الأجنبية السالب ومخاطر الديون ظهرت منذ نهاية 2021 أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية بأكثر من شهرين.

فضلا عن أن مصر أثناء اشتداد الجائحة حصلت على قروض بنحو 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمواجهة آثار الجائحة، رغم تصريح أكثر من مسؤول مصري بأن البلاد لم تتأثر بالأزمة بالقدر الذي تأثرت به دول أخرى!

المعضلة الكبرى

تعتبر سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد المصري ومنافسة القطاع الخاص هي المشكلة الأخطر وغياب خطط التنمية الشاملة المستدامة زراعيا وصناعيا وتكنولوجيا وتعليميا وصحيا وسياحيا هي المشكلة الأكثر فداحة وخطورة وكذلك انعدام العدالة الضرائبية وعدم سيادة القانون مما أدى إلى إحجام الاستثمار الأجنبي المباشر.

ازدياد الإنفاق الترفي على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة والنهر الصناعي والبرج الأيقوني وأكبر جامع في أفريقيا وأضخم كنيسة والقطار الكهربائي وأطول ساري عَلَم، وإنفاق مئات المليارات على مشروعات تعود بالنفع على نسبة بسيطة جدا من السكان.

ويترافق ذلك مع إهمال التعليم والصحة وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وعدم دعم الصناعات الصغيرة أو الاهتمام بالصادرات، كل ذلك جعل الوضع الاقتصادي في قمة الهشاشة وترك حكومة الجمهورية الجديدة أمام حلول أحلاها مر وهي زيادة الضرائب والرسوم وزيادة معدلات الاقتراض وبيع أصول الدولة المصرية.

هل هناك حل أو أمل؟ حينما تتوافر الإرادة السياسية وثقافة الاعتذار عن الخطأ وشجاعة مواجهة السياسات الخاطئة تصبح الحلول يسيرة وسريعة وعملية، نحن أمام اقتصاد تهيمن المؤسسة العسكرية على قرابة 75% منه ويقزم يوميا دور القطاع الخاص الوطني (مثل اعتقال صفوان ثابت مؤسس جهينة للألبان، وتقريري فايننشال تايمز والغارديان، وشكوى نجيب ساويرس الرئيس التنفيذي لأوراسكوم) فنحن أمام وضع خاطئ لا بد من تغييره.

واحد من الحلول المهمة هو تعديل هيكلية المرتبات وعدم تفضيل جهات محددة زادت مرتباتها بشكل ضخم مثل المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية والقضائية والإعلامية التابعة للنظام وترك باقي المواطنين والعاملين يعانون من التضخم والغلاء والفقر

خارطة طريق للخروج من الكارثة الاقتصادية الحل سياسيا واقتصاديا يكمن في:

سيادة القانون واستقلال القضاء ورفع يد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد بشكل كامل، بمعنى أن تؤول ملكية كافة الشركات والوحدات الاقتصادية والأراضي المملوكة للمؤسسة العسكرية وكافة الجهات الأمنية والمؤسسات السيادية من مخابرات عسكرية ومخابرات عامة وأجهزة أمنية للدولة المصرية وأن تدرج موازنة كل هذه الهيئات في الموازنة العامة للدولة وكذلك ضم الصناديق السيادية (مثل صندوق تحيا مصر وصندوق مصر السيادي) للموازنة العامة للدولة.

عدم بيع أي أصول مصرية للأجانب، فالمستثمرون الأجانب يبحثون عن شركات مربحة والعملة المصرية في انخفاض والعالم يمر بظروف اقتصادية قاسية، فإن كان ولا بد من البيع لإصلاح خطايا النظام الاقتصادية فليكن للمصريين في الداخل من أجل تمويل خطط تنموية محددة والحفاظ على العمالة وضمان عدم تسريحها وكذلك لإنعاش السوق المحلي عن طريق الاحتفاظ بأرباح هذه الشركات داخل مصر وإنفاق هذه الأرباح داخل السوق الوطني.

نظرا لتوسع نظام الجمهورية الجديدة في الاقتراض بلا حساب أو دراسة، تم الإنفاق على مشروعات غير تنموية ومعظمها استعراضي وغير مجد اقتصاديا ونظرا لحاجة الاقتصاد المصري للدولار لسداد هذه القروض وإصلاح كوارث النظام الحالي فالحل يكمن في بيع القليل من الأصول للمصريين في الخارج حتى يمكن دفع بعض أقساط الديون وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر (هناك فرق ضخم وكبير بين بيع الأصول وهو ما يقوم به نظام الجمهورية الجديدة والاستثمار الأجنبي المباشر والذي يأتي فيه المستثمر لإنشاء شركات ومصانع ومزارع وتوظيف عمالة وطنية وضخ رأسمال أجنبي مما يدعم الاقتصاد الوطني).

تعديل هيكلية المرتبات وعدم تفضيل جهات محددة زادت مرتباتها بشكل ضخم مثل المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية والقضائية والإعلامية التابعة للنظام وترك باقي المواطنين والعاملين يعانون من التضخم والغلاء والفقر الذي نتج عن سياسات النظام. هذا التعديل سيقضي على التفاوت الطبقي والاقتصادي بين شرائح المجتمع ويقلل من آثار الأخطاء الاقتصادية التي حدثت خلال 9 أعوام السابقة. استحداث نظام ضرائبي قويم واعتماد نظام ضرائب تصاعدي يساعد في خفض الضرائب إلى الحد الأدنى على كل أسرة ذات دخل يقل عن 10 آلاف جنيه شهريا؛ مع تخفيف الرسوم المستحدثة والضرائب الجزافية. إلغاء الإعفاءات الضريبية والرسوم الجمركية التي حصلت عليها الجهات السيادية وتحميلها تلك الضرائب والرسوم بأثر رجعي. بيع كل المشاريع التي تمت من مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة والقصور الرئاسية والمقرات الحكومية (الصيفية والشتوية) والطائرة الرئاسية الجديدة بأسرع وقت ممكن لتسديد جزء من الديون. عدم إسناد أي مشروعات بالأمر المباشر

تقليص الإنفاق الحكومي بشكل فوري وعاجل وتحديدا مصروفات الحكومة والبرلمان ومؤسسة الرئاسة والجهات الأمنية والجهات السيادية والصحف القومية والمؤسسة العسكرية. رفع يد الحكومة عن الإعلام وعدم دعمه (تم إنفاق مليارات على مسلسلات وأعمال فنية وقنوات فضائية تفتقر للحد الأدنى من المهنية). الاتفاق مع الجهات الدولية والمقرضين على إعادة جدولة الديون واعفاء الدولة المصرية من الفوائد، نظرا لوجود إصلاحات حقيقية تتحملها الدولة والحكومة قبل المواطن.

والسؤال هنا كيف ومتى؟

والإجابة حينما تتوفر الإرادة والرغبة والشجاعة وعدم التسويف وشراء الوقت أو لوم الآخرين.