متى نفهم؟

متى نفهم؟


مقال بقلم : عبد الرازق أحمد الشاعر

الجمعة - 23 فبراير سنة 2024 | 11:36 مساءً

قالت الأعراب: “اذهب أيها السنوار أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون!” وذهب السنوار برفقة رجال صدقوا ما عاهدوا الأمة عليه، وسرعان ما عادوا من وراء الأسوار يلوحون بشارات النصر ويتصايحون “قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعدكم الغرب الفاجر أو الشرق الكافر حقا؟” وهنا أدرك المخلفون من الأعراب الصباح، فسكتوا جميعا عن الكلام المباح، وليتهم قالوا كما قال المنافقون ‘إنا كنا معكم’، بل أخذتهم عزة التبعية بإثم القعود، فراحوا يكيدون لغزة وأهلها، ويتآمرون على مستقبل أطفالها، فيدعون إلى مؤتمرات أممية يعلمون سلفا عجزها عن اتخاذ القرار، وتواطؤها مع المحتل وداعميه، ليطيلوا أمد القصف وزمن المعاناة والحرمان والجوع. ليتهم قالوا إذ تواطأوا ‘لو كنا نعلم قتالا لاتبعناكم!”، وليتهم قالوا “قلوبنا معك، وسيوفنا ضدك!” كما قال المستضعفون للحسين ذات خيانة، لكنهم لم يتركوا لشعوبهم تبريرا منطقيا أو تعليلا سفسطائيا حتى، فجاء صمتهم كصوت براميل البارود التي يلقيها العدو على رؤوس الآمنين – أو أشد قسوة. في الوقت الذي خرجت شعوب الأرض من كافة الأجناس والأعراق والألوان تندد بمجازر الاحتلال الوحشية ضد المدنيين العزل، استمرت الشعوب العربية تمارس عجزها المعجون بالتربص الحذر، وتكتفي بالدعاء ومط الشفاه والحوقلة. وفي وقت أعلنت فيه الأحزاب اليمينية واليسارية والمحافظة والليبرالية في كافة البقاع، وفي وقت اختار العلمانيون واللادينيون والوثنيون من كافة الأمم، انحيازهم لمبادئ الإنسانية والوقوف إلى جانب حركة التحرر الفلسطينية – المشروعة جدا – قعد السياسيون العرب ينظرون ويتلاعبون بالكلمات كعادتهم في كل مؤتمر، ليعلو صياحهم فوق صوت المعركة، أملا في انتهاء الكابوس الغزي الذي أسقط أوراق التوت عن كل العورات. اليوم نشهد كارثة إنسانية لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلا، ونرى شعبا يباد وأمة تمحى من فوق خريطة تحترق تحت مرأى ومسمع أبناء اللغة والدين والتاريخ، وتنقل الكاميرات كافة مشاهد الخزي حتى لا تدع لنا أي عذر أمام أطفالنا وأحفادنا وأمام التاريخ وأمام الله، ورغم ذلك، نوغل في دفن رؤوسنا في الرمال، ونضع أصابعنا في آذاننا ونستغشى ثيابنا ونمضي في سبيلنا وكأن التاريخ ادعاء والدماء زيت، فنشاهد المباريات ونحن نحمل رايات باهتة لا تغطي عورة أصغر طفل غزي تسحقه دبابات الاحتلال، ونقيم المهرجانات في حب فلسطين، ونكتب المقالات ونشجب وندين، وكأن شيئا يمكن أن يتغير. من يقنع المتحدثين باسمنا أن الاحتلال أشد إجراما من المقاومة؟ وأن الأطفال المدنيين الذين تتناثر أشلاؤهم تحت مجنزرات الأعداء ضحايا؟ وأن الإرهاب أن تُقتل النساء في الخدور والأطفال في المدارس والشيوخ في المساجد؟ متى يدرك أولياء الدم أنهم ليسوا مجرد مدعوين إلى حفل توزيع أدوار؟ وأن الحكاية أكبر من قطعة أرض يسكنها مليونان ونصف من التعساء؟ إلى متى يستمر هذا الصمت المضرج بدماء الثكالى وصراخ الأرامل وعويل المنكوبين؟ ولمصلحة من يستمر ليل هذه الأمة التي ما فتئت تنتظر الصباح كي تنعم بالحرية كغيرها من الأمم؟ تحتاج الشعوب العربية أن تعرف اتجاه أقدامها وهي تسير نحو معركة هائلة ستفرض عليها إن عاجلا أو آجلا. من حقنا أن نحدد اتجاه فوهات مدافعنا ولون بيارقنا ورفاق الأخاديد، وعلينا أن نكون أكثر وعيا بأن القادمين من الغرب بحاملات الطائرات وناقلات الجند والغواصات النووية ليسوا في نزهة عبر بحارنا المستباحة، وأن إعطاء ظهورنا للريح لن يغير اتجاهها، وأن عدونا قد ذهب إلى الحرب ومعه تفاصيل الخرائط التي ستحدد هوية أطفالنا في المستقبل القريب، وعلينا أخيرا أن نحدد هوية جيوشنا التي مزقتها الأسلاك الشائكة والحدود المصطنعة والبيارق الملونة والمصالح غير المشتركة.