الفيل الضائع بين رجال الأعمال

الفيل الضائع بين رجال الأعمال


مقال بقلم : محمد دياب

الجمعة - 1 أغسطس سنة 2025 | 12:00 صباحاً

من بين كل ما قيل حول لقاء الدكتور مصطفى مدبولي مع عدد من رجال الأعمال لفتتني فكرة تحمل عمقاً رمزياً كبيراً وهي قصة "الفيل والعُميان". هذه القصة التي لا يعرف أحد على وجه التحديد من كتبها أولاً أصبحت نموذجاً مثالياً لفهم كيفية تناول القضايا العامة في مجتمعاتنا


تقول القصة إن مجموعة من العُميان قُدم لهم فيل وطلب منهم وصفه فاقترب كل واحد منهم ولمس جزءاً مختلفاً. فمن لمس الخرطوم وصف الفيل بأنه أنبوب طويل ومن لمس الأذن رآه كالمروحة بينما من أمسك الساق ظنّه عموداً ضخماً. كل واحد منهم نظر إلى جزء معتقداً أنه يمثل الكل لكنه في الحقيقة كان يصف عالماً مجزأً لا يعكس الصورة الشاملة


هذا بالضبط ما حدث في اللقاء. كل رجل أعمال قدّم رؤيته من زاوية تخصصه ومجاله الضيق. فمنهم من ركّز على التحديات الضريبية وآخر على المشكلات المرتبطة بالتصدير وثالث على العقبات الإدارية. ورغم أهمية هذه المداخلات إلا أن الخطر يكمن في بقاء الحوار محصوراً ضمن هذه الأجزاء المتفرقة دون وجود رؤية شمولية تجمعها في إطار متكامل


إن الأزمة ليست في ما قيل أو في زاوية النظر المحدودة لكل متحدث فهذا طبيعي وينبع من طبيعة التخصص. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب "النظرة الكلية". لأن أي محاولة لفهم الاقتصاد أو إدارة الدولة بمنطق الأجزاء فقط أشبه بمحاولة بناء صورة كاملة لفيل عبر وصف ذيله أو خرطومه فقط


ما نحتاجه اليوم هو حوار يتجاوز حدود المصالح الفردية حوار يجمع بين أصوات أصحاب الأعمال ورؤى الخبراء والمفكرين. نحتاج إلى مَن ينظر إلى الفيل كاملاً لا إلى جزء من جسده فقط. هؤلاء هم القادرون على تقديم تصورات شاملة تأخذ في الاعتبار جميع العناصر المتشابكة في الاقتصاد والمجتمع


النجاح الحقيقي في إدارة الحوار الوطني لا يكمن فقط في الإنصات بل في القدرة على الدمج بين الرؤى المتنوعة في سياق واحد. على رئيس الحكومة أن يستمع لأصوات رجال الأعمال ولكن عليه أيضاً أن يستعين بعقول تمتلك منظوراً استراتيجياً أوسع. فالمسألة لا تتعلق فقط بالضرائب أو التصدير بل بنموذج اقتصادي كامل يوازن بين الإنتاجية والعدالة الاجتماعية والاستدامة


إذا تمكنا من بناء هذه "النظرة الشمولية" فإننا لن نحصل فقط على حلول آنية لمشكلات راهنة بل سنضع أسساً صلبة لاقتصاد قوي ومستدام. وحينها فقط سنكون قد تعلمنا الدرس الأهم من قصة الفيل والعُميان : أن الصورة الكاملة دائماً أكثر أهمية من التفاصيل الصغيرة وأن الرؤية الواضحة تبدأ من جمع الأجزاء المتناثرة في إطار شامل ومتكامل