هديل الحمام .. ذكريات محفورة بالعقل والقلب

هديل الحمام .. ذكريات محفورة بالعقل والقلب


مقال بقلم : رحاب عبد الخالق

الثلاثاء - 30 يناير سنة 2024 | 5:57 مساءً

ذكريات محفورة فى مرحلة الطفولة وخاصة وأنا فى المرحلة الإبتدائية، كنت غالبا أقضى جزء من الأجازة الصيفية مع جدتى فى أحدى قرى المنوفية.

بمنزل جدى الذى كنت أتمنى أن أراه وأتلمس شخصيته وعاداته وتقاليده التى رواه لنا والدى فى أوقات جلساتنا العائلية .

ولا أدرى لماذا أقترن صوت الحمام بهذه الأيام، فدائما حين أسمع هديل الحمام أتذكر جدتى حين كانت تستيقظ مبكرا لتفتح باب الدار على مصرعيه.

بل بلغ حرصها أن تضع أمام كل دلفة من الباب حجر صغير حتى لا يغلق الباب

وتذهب لتقضى متطلبات البيت اليومية فى كل أرجاء #الدار بلاخوف ولا ذعر، فقلبها وعقلها يملأهما الأمان الكامل فلا سرقة ولا أحداث مرعبة .

بيت جدى كان ينقسم إلى قسمين، الأول يضم الباب الرئيسى للدار وصالة كبيرة وحجرة تسمى “حجرة المسافرين أو الضيوف”

وتشمل سرير كبير و5 كنبة بلدى وترابيزة فى منتصف الحجرة عليها صدف بحر كبير والأرضية كانت مفروشة بالحصير الملون، وهناك أيضا دورة مياه وحجرة للنوم

والقسم الثانى يسمى “وسط الدار” يضم حجرة تسمى ( المقعد) لتجهيز مايخص العجين وغيره، وحجرة يوضع بها #خزين البيت من دقيق وغيره، وآخرى تسمى (زريبة) توضع الماشية فيها ليلا وتسحب للإستخدامها فى الحقل صباحا قبيل شروق الشمس إلى قبيل الغروب، ودورة مياه أخرى، إلى جانب ممر صغير فى نهاية سلم يؤدى إلى سطح الدار .

أقوم أنا فور استيقاظ جدتى وأقف كثيرا على باب الدار لأشاهد وأسمع أصوات الحمام التى تقف أمام الدار على الأشجار وأسوار الدور الأخرى.

وهذا أحد الأقرباء يسحب ماشيته للذهاب بها إلى الحقل ( الغيط)، وسيدة قريبة لنا تلقى بأجمل عبارات الصباح ( إصباح الورد ياجمرة ـ تعنى ياقمرة ).

وآخر يعمل مدرسا يمشى بثبات وأترقبه من بعيد لأرى ماذا يحمل من #كتب، وتلك ابنة العم ومعها بنات الجيران يحملن أوانى المطبخ التى تحتاج إلى تنظيف ليقمن بغسلها فى “الصهاريج” وهى عبارة عن عدة حنفيات بجوار بعضها البعض ( لعدم وجود مياه نقية فى المنازل)

أو يذهبون إلى أى مكان يحتوى على “طلمبة” وهى عبارة عن مضخة للمياه من أعماق الأرض إلى سطح الأرض .

وألتفت لأجد جدتى تفتح الراديو لسماع القرآن فى بداية اليوم، بعدها اسمع أم كلثوم تغرد ” ياصباح الخير ياللى معانا”، يأتى طعام الفطار ثم أسرع فى تناوله لأخرج وأجمع من هم فى سنى من الأصدقاء والأقارب

ونظل نلعب ونلهو حتى يأتى موعد #طعام الغداء.

ثم نستكمل اللعب حتى موعد صلاة المغرب، وبعد صلاة العشاء تسرع جدتى مع بعض الأقارب لتجهيز مكان على سطح المنزل وفرشه بالحصير وعدد من وسادات الكنب.

لتناول طعام العشاء على ضوء القمر وقضاء سويعات من الليل من أجمل ماتكون نسمع فيها الروايات عن الأجداد تتخللها الفوازير والنكت.

حتى أجد نفسى لا استطيع مقاومة النوم، فتذهب جدتى لغلق باب الدار، وتأخد بيدى للنوم وتحكى لى ما بعض الحواديت .

 

حين أسمع هديل الحمام منذ أن توفت جدتى إلى الآن، يذكرنى بكل ماسبق، بل أراه يمر أمام عينى كأنى أشاهد فيلما سينمائيا.

حين أسمع هديل الحمام أشم رائحة بيت جدى الذى كنت اتمنى أن أولد قبل ذلك وأراه يوما قبل وفاته لأتلمس بيدى ملامح وجهه وأرتوى من شخصيته الحكيمة كما رواها لنا والدى.

هديل الحمام يسمعنى صوت جدتى وأتذكر خطواتها وملامح وجهها وضحكتها

هديل الحمام أشم من خلاله عبير وكرم أهل الريف المصرى، الذى أفتقده الآن بعد أن طغت سمات المدينة وعاداتها على سمات وعادات أهل الريف القديمة .


لا توجد أخبار لعرضها.