الغاء قانون الإيجار القديم .. الجديد
فاروق الزامل يكتب

الغاء قانون الإيجار القديم .. الجديد

الكاتب الصحفي فاروق الزامل
الكاتب الصحفي فاروق الزامل
السبت - 10 مايو سنة 2025 | 5:16 مساءً | عبد الفتاح يوسف | | 265 مشاهدات | 0 من جوجل نيوز

العدل ليس مفهوماً ينحصر في استرداد الحقوق بشكل عاشق للحدية والقسوة. إنما يكمن في تحقيق التوازن والإنسانية التي تحافظ على حقوق جميع الطرفين دون سحق الضعفاء. المسألة لا تخص ملاكاً يطالب بحقه فقط، بل تشمل مستأجراً قضى سنوات من عمره في منزل يُعد له ملاذاً ومسكناً آمناً.

المستأجرون ليسوا مجرد أرقام تدفع إيجارات، بل هم أناس ربطوا حياتهم وذكرياتهم بمنازل كانت العقود قانونية لدخولها. فكيف يُطلب منهم الرحيل بسبب قوانين تم تعديلها فجأة؟ ماذا عن المسنين والفقراء الذين لا يملكون مكاناً بديلاً؟ من المستحيل أن يكون الطرد هو الحل.

للأسف، المشكلة ليست في مطالبة الملاك بحقوقهم، ولا في التزام المستأجرين بالعقود. بل في تراخي الدولة في معالجة خللها التشريعي والاقتصادي منذ عقود. هذا التراخي الذي ترك الطرفين في حالة من التصادم بدل التوفيق والتعاون.

التعديلات القانونية الفجائية تضع آلاف الأسر في مواجهة التشرد والضياع. المستأجر الذي التزم بالعقد ودفع الإيجار لسنوات طويلة ليس مذنباً، والمطالبة برفع الإيجارات ليست بالضرورة معارضة له، لكنها يجب أن تتم بروح من العدالة والتدرج. كيف يمكن لمسنين عاشوا في منازلهم لخمسين عاماً أو أكثر أن يجدوا أنفسهم فجأة مضطرين للرحيل؟ هل من الإنسانية أن يُطلب منهم التخلي عن ملاذهم بهذه الطريقة؟

شهدت الساعات الماضية تصاعدًا ملحوظًا في مطالب عدد من النواب، والسياسيين، ورجال الإعلام، بضرورة تأجيل مناقشة مشروع قانون الإيجارات القديمة إلى دور الانعقاد البرلماني المقبل، نظرًا لحساسية الملف وتشعب أبعاده الاجتماعية والاقتصادية.

لكن في المقابل، حذّر عدد من خبراء القانون من خطورة هذا التوجه، مؤكدين أن تأجيل إصدار القانون لما بعد نهاية الفصل التشريعي الحالي، المقرر خلال أقل من 60 يومًا، قد يؤدي إلى أزمة قضائية غير مسبوقة، مؤكدين أن عدم إقرار تعديلات قانون الإيجارات القديمة في الموعد المحدد الذي ألزمته المحكمة الدستورية العليا، سيمنح الملاك الحق القانوني الكامل في رفع دعاوى قضائية بالملايين، سواء للمطالبة بفسخ عقود الإيجار أو بزيادات في القيمة الإيجارية، وهو ما قد يُغرق المحاكم في طوفان من القضايا يقدر بأكثر من 3 ملايين دعوى.

قال محمد عبدالتواب، المستشار القانوني، إن عدم إصدار القانون قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، سيفتح الباب أمام الملاك لتحريك دعاوى قضائية تطالب بفسخ عقود الإيجار، أو زيادة قيمة الإجرة، ما يُنذر بتكدس رهيب في قضايا تتعلق بعقود الإيجارات القديمة في المحاكم، مستندين إلى حكم المحكمة الدستورية العليا في شهر نوفمبر الماضي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية في قانون الإيجار القديم الصادر في عام 1981.

وأضاف عبدالتواب لـ«المصري اليوم» المحكمة الدستورية العليا ألزمت البرلمان بإصدار القانون قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، وإذا لم يتم الالتزام، فالعقود القديمة ستُعتبر غير دستورية بحكم المحكمة، ما يعرض جميع المستأجرين للخطر القانوني.

وأشار أحمد مجاهد، المحامي، إلى أن تجاهل هذا الملف لا يعني تجميده، بل يُعني تسليمه إلى القضاء. نحن أمام وضع قانوني صعب؛ إما إصدار قانون ينظم العلاقة بين الطرفين في البرلمان، أو مواجهة موجة من الدعاوى القضائية، التي قد تصل إلى أكثر من 3 ملايين دعوى من الملاك، وهو أمر قد يفوق طاقة المحاكم المصرية.

من جانبها، شددت الحكومة، عبر تصريحات للمستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية، على أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية سيُصبح نافذًا تلقائيًا بعد انتهاء الفصل التشريعي، إذا لم يصدر القانون خلال المهلة المحددة. وقال فوزي خلال اجتماع للجنة المشتركة بالبرلمان: المحكمة لم تترك للأطراف خيارًا، عدم إصدار القانون سيؤدي إلى فسخ تلقائي لعقود الإيجار القديمة، وهذا ما لن تتحمله الدولة ولا القضاء ولا الشارع.

رغم الضغط الزمني، شهدت لجان البرلمان مناقشات مستمرة ورفضًا واسعًا لمشروع القانون المحال من الحكومة، بسبب ما اعتبره كثير من النواب انحيازًا لصالح الملاك على حساب المستأجرين، وتجاهلًا للبعد الاجتماعي والإنساني.

المشكلة الأهم هي كيفية تحقيق التوازن. زيادة الإيجارات قد تكون مقبولة إذا تمت بشكل تدريجي ومنطقي، مع وضع آلية لحماية الفئات الأكثر ضعفًا. يمكن أن تقدم الحكومة دعماً مباشراً للمستأجرين محدودي الدخل، وأن تُطرح حلولاً مثل تمويل بدائل سكنية للمستأجرين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الإيجار الجديد.

من جهة أخرى، ينبغي حماية حقوق الملاك الذين تحملوا لسنوات قيمة إيجارية غير عادلة في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة. يجب أن يتمتعوا بفرصة استرداد القيمة الاقتصادية الحقيقية لممتلكاتهم، لكن ليس على حساب تشريد الأسر.

يمكن أن يشمل الحل العادل تحديث العقود القائمة مع زيادة الإيجارات تدريجيًا، ووضع سقف معقول للزيادة السنوية. كما يمكن تخصيص صندوق دعم من الدولة لدعم المستأجرين غير القادرين على تحمل التكلفة الجديدة. يجب أيضاً وضع معايير عادلة لتحديد القيمة الإيجارية بناءً على الموقع، وحالة العقار، وظروف المالك والمستأجر.

العدالة الاجتماعية تتطلب حلولاً مبتكرة تُراعي جميع الأطراف، دون اللجوء إلى قرارات تهدد استقرار المجتمع. هذا الملف الحساس يتطلب تعاونًا بين البرلمان، والحكومة، والمجتمع المدني، وخبراء الاقتصاد والاجتماع. ربما تأخرت المعالجة، لكنها تحتاج الآن إلى حوار هادئ ومنفتح بعيداً عن الصراعات.

لذلك، من المهم أن تتكاتف الجهود لإيجاد حل يحقق التوازن بين حقوق الملاك واستقرار المستأجرين، دون أن يكون الحل على حساب أحدهما. حقوق الإنسان تبدأ من توفير الأمن والاستقرار في المسكن، ويجب ألا تكون التشريعات الجديدة سبباً في تهديد هذه الحقوق.

كلمات مفتاحية بالخبر