
محمد صقر يكتب: ما وراء الكواليس
بقلم: محمد صقر
“ما وراء الكواليس” عنوان يحمل في طياته الكثير والكثير من المرادفات ولعل المقصد من ورائه هو تسليط الضوء على أولئك الذين لم يضمد جرحهم أحد بل أقول الذين لم يودوا أن يواسيهم أحد، وبالتالي فما انتظروا من الأساس أن يضمد جرحهم أحد بل تعافوا بالله أولا ثم بأنفسهم ثانيا بعد جلسات ملية من الاستشفاء، ولأجل هذا أكتب عنهم الآن مهتما بالغ الاهتمام بقضيتهم قضية الالم ولأجل هذا أيضا استحقوا مني ومن كل من أدركوا أمرهم و عاشوا معاناتهم و تالله منا جميعا وافر التحية و التقدير.
إننا في هذه الحياة كل يخوض في غمار معركته الخاصة والتي لا يعلم عنها غيره شيئا ولا يقدر ويلاتها سواه، ولذا فلا عجب إطلاقًا إذا أرهق المرء منا في درب من دروب حياته دون أية مقدمات، أو انهار أحدهم فجأة بغير أن يتضح لنا سبب ذلك، فالمسلم به عند هؤلاء الذين لم يشعر الغير بآلامهم هو أنه لا جرم أبدا وإن اهتزت الجبال الراسيات لعاصفة ما كما أنه ليس غريبا أن تغير الرياح القوية مسارها استجابة لعامل الزمان، فمثل هؤلاء الناس تتوارى أوجاعهم خلف الجدران والتي لا ترى إلا ممن يسكن خلف هذه الجدران.
أعزائي و عزيزاتي، إن الألم حقا ليغير كل شيء – بلا مبالغة – لأنه ذلك الاهتزاز الذي يوقظ النائمين وينبه الغافلين ويدل التائهين ويرشد الحيارى ولا أختلف معكم على الإطلاق في أن هذه النتائج الإيجابية التي تصبح فيما بعد مرغوبا فيها لا تحدث إلا مؤخرا، إلا أنه يكفي المتألمون من الألم أنه قد كان لهم بمثابة صحوة لولاها لظلوا في غفلتهم إلى يوم يبعثون، وكذلك يعد درسًا مستفادًا لمراجعة الحسابات ولإعادة النظر مرة أخرى، مضيفًا إلى ذلك أنه حينما نرى النتائج بعد ذلك و يتسنى لنا إدراك المغزى وفهم الحكمة، من وراء هذا الألم تتغير نظرتنا وبشكل تلقائي إلى الألم إذ لم نعد ننظر إليه على أنه نقمة بل على أنه نعمة و رحمة من الله تداركتنا من بعد ضراء مستنا.
إن الآلام التي تعترينا على اختلافها على مر الأيام لا بد لنا وأن نراها بمجهر دقيق يعيننا إعانة حقة على تدبر العظة والعبرة من خلالها، وكذلك على أخذ الدرس المستفاد منها وتوخي الحذر بعد ذلك في كل خطوة نخطوها كي لا نشق على أنفسنا، فالحياة وحدها أضحت شاقة بما يكفي، كما أنه من العلامات البارزة على اكتمال الوعي وتمام النضج ألا يغامر الإنسان ويدخل معركة هو يعلم من قبل أن يدخلها أنه خاسر فيها، فليس من الصحيح أن يلقي ابن آدم بنفسه إلى التهلكة وكذلك مما علمنا ربنا الحق – سبحانه و تعالى – و هنيئا لمن التزم تعاليم الله – عز و جل – فلا يضل و لا يشقى.
جمهورنا الحبيب، هذا الألم الذي أتحدث عنه معكم على الرغم من حدته وشدته وقسوته وهو يقع على النفوس وقع الصاعقة، وعلى الرغم من كونه أشبه ما يكون بالأسد الذي التهم فريسته على حين غفلة ولم يترأف بضعفها إلا أنه نعمة حقيقية يجدر بنا بل و لزاما علينا أن نستشعرها وما أحلى أن نستشعرها ! فدونها لم نكن نعرف طعما للتعافي الذي يجلو عتمة بصائرنا و لم نكن نعرف طريقا للأمل الذي يساعدنا كل المساعدة، إذا جعلنا منه اللبنة الأولى في بناء رفيع يسمى ببناء الأحلام على أن يرتفع ما بنيناه شاهقا حتى أنه ليكاد يناطح عنان السماء.
وإلى هنا ينتهي بنا المطاف لنغلق باب واحدة من أهم القضايا التي توجب علينا جميعًا أن نلقي لها كل الاهتمام وألا وهي قضية الألم، و ذلك مؤقتًا لحين العودة واستكمال الحديث، إذ أن الألم إذا تطرقنا للحديث عنه باستفاضة، أي إذا أردنا أن نعطيه حقه كاملا لطالت بنا القائمة نحو ألف فرسخ و ليت ذلك يكفي، وختاما دعوني أنصح نفسي أولا وإياكم من بعدي لنجعل الألم نافذة تطل على الأمل حتى إذا نظرنا منها أبصرناه، كما أسأل الله الذي لا يعز من عاداه و الذي لا يذل من والاه أن يشفي صدورنا من كل ألم وأن يملأها أملا مستودعكم – إخواني و أخواتي – في أمان الله و حفظه و انتظرونا في مقال جديد.