مقالات الرأي

المثقف الدجال

مقال بقلم/ ضياء الدين اليماني

تتعرض المجتمعات لكثير من الكبوات ؛ لكن أكبر كبوة قد يتعرض لها مجتمع عندما تتحول النخبة من المثقفين فيه إلى دجالين ؛ يبيعون للناس الوهم ؛ ويلعبون بالبيضة والحجر ؛ خلطوا ثقافتهم بالدجل ؛ فانتجوا مخدرات عفنة ؛ تغيب العقل وتقتل الضمائر الحية .

هذا النموذج من المثقفين من أخطر مصائب المجتمع ؛ وحسبك أن يتولى توعية الناس دجال ؛ يتكسب بتجهيلهم ويرتقي بتخلفهم .

 

هذا النموذج موجود في كل زمان ومكان ؛ لكنه يتكاثر مع غفلة المجتمع عن حراسة عقله الجمعي ؛ وأشد ما يكون خطر ذلك النموذج على أهل السلطة في المجتمع ؛ إذ بفسدونهم بدجلهم ؛ ومن ورائهم يفسد المجتمع ؛ قال الحسن البصري: ” تولى الحجاج العراق وهو عاقل كيس ؛ فما زال الناس يمدحونه حتى صار أحمق طائشا ”

 

إنه أثر هؤلاء الفعال في إفساد أهل السلطة مهما كانوا مصلحين عاقلين ؛ ولو أدرك أهل السلطة خطر هؤلاء عليهم لما قربوا واحداً منهم ؛ إذ أن هؤلاء لا يهمهم من في السلطة بقدر ما يهتمون بمصالحهم.

 

روي أن الشاعر الفرزدق مدح الحجاج في حياته وتلقى هباته وعطاياه ثم هجاه بعد موته فلاموه على ذلك قال (نكون مع العبد مادام الله معه، فإن تخلى عنه تخلينا عنه)… فدجل هؤلاء يستهدف أصحاب المناصب العليا من أجل تحقيق المصالح الذاتية ثم يستهدف عامة الناس لإقناعهم بما ظن أصحاب السلطة أنه حق على ألسنة هؤلاء الدجالين ثم لا يبالون بعد ذلك بمصلحة البلاد والعباد…

 

وقد نقَل لنا التراث الأدبيُّ قصصًا ومواقف كثيرة عن هذا المثقف الدجال لتعرف أنه وباء لم يخل منه عصر من العصور .

 

رُوي أن أبا دلامة كان يمدح السفاح – أخا المنصور – ويُكثِر مِن مدحه، فلامه المنصور على ذلك، فقال أبو دلامة: “إني أرغبُ في الثمَن، فإنْ أَعطيتَ ما أعطى أخذتَ ما أخَذَ..”

 

وأخَذ النقاد على البحتري سوء العهد، وقلَّة الوفاء لمن كان يومًا متظاهرًا بمحبتهم، يَمدحُهم ويُثني عليهم، ثم انقلب عليهم عندما زال سلطانهم، أو أدبرت الدنيا عنهم.

 

وهكذا تمر العصور ولا يختفي هذا النموذج ؛ ولكن الضمانة الوحيدة لتقليل شره وعي المجتمع وإدراكه خطر هذا المثقف الدجال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى