“الأعمال الكاملة لإنسان آلي” للشاعر شريف الشافعي في طبعة مصرية

متابعة : رحاب عبد الخالق
صدر حديثًا عن “المركز العربي للصحافة والنشر”، في إطار سلسلة “تحولات”، ديوان “الأعمال الكاملة لإنسان آلي” للشاعر المصري شريف الشافعي، في طبعة جديدة (القاهرة، صيف 2023).
تأتي نصوص الديوان كلها على لسان “روبوت”، وتتوزع على قسمين في حوالي مائتي صفحة، هما: “البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية” (إنسان آلي1)، و”غازات ضاحكة” (إنسان آلي2)، وقد كتب الشاعر السوري أدونيس مقدمة للكتاب للتعريف بمنطلقات سلسلة “تحولات” الجديدة.
يتضمن الجزء الأول “البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية” عشرات المحاولات للبحث عن نيرمانا، التي تظهر بثيماتها المتنوعة في جميع المقاطع، جنبًا إلى جنب مع الأنا المتحدثة بلسان الإنسان الآلي، ويتحدث “الروبوت” مثلما يوضح الشافعي، فاضحًا سوءات عصره الغارق في التسليع والميكنة والتقنية، وباحثًا عن ذاته الإنسانية المفقودة، النابضة بحرارة، رغم كل شيء، تحت جليد الحياة الرقمية. بل إن تلك الذات، على ضعفها وتلاشيها، لا تزال تحلم بإمكانية استردادها لفردانيتها وخصوصيتها، وتمردها على آليات السوق وإيديولوجيا التنميط وتوحيد حركة الروبوتات (البشر) وفقًا لقوانين صارمة، وبرمجيات لا يديرها إلا الريموت كونترول في يد القوة المهيمنة.
ويؤكد محرك البحث على الإنترنت أن نتيجة البحث عن مفردة “نيرمانا” (Nirmana) هي نتيجة سلبية تمامًا، فكأن الباحث عن نيرمانا، عن الأخرى أو عن ذاته أو عن المفقود (المنقرض) عمومًا، يدرك منذ البداية أنه لن يعثر على ضالته، لكنه يستمر في بحثه رغم ذلك، طالما أن هذا هو المسلك الوحيد الذي يعني التشبث بالحياة.
تقول عبارة الإهداء: “إلى الهواء الفاسد، الذي أجبرني على فتح النافذة”. هذه النافذة، أو جسر الخلاص من سوء التهوية، كما يشير الشاعر شريف الشافعي، قد تكون نافذة حقيقية للإطلال والاكتشاف بشكل مباشر، وقد تكون نافذة إلكترونية (Window) للبحث الإلكتروني، تمامًا مثلما أن “200 محاولة عنكبوتية لاصطياد كائن منقرض” قد تكون محاولات للاصطياد المادي المباشر بمساعدة شبكة خيوط العنكبوت، وقد تكون محاولات افتراضية للاصطياد بالاستعانة بخطوط شبكة الإنترنت العنكبوتية، أي بالاستفادة من تقنيات العصر والملكات المتطورة للروبوت البائس، التائه بين ماضيه وحاضره، والمتشكك في مستقبله المرهون بعثوره على نيرمانا. كذلك، فإن “الأصابع الذكية” التي تطارد نيرمانا، قد تكون رامية إلى تحسسها مباشرة بحاسة اللمس، وقد يكون ذكاؤها الصناعي، الآلي، هو سر نجاحها في تحديد موقع نيرمانا.
وفي الجزء الثاني “غازات ضاحكة”، المكتوب بلسان الروبوت المتمرد ذاته، تستدعي تجربة الشافعي، مثلما يوضح، الغاز المعروف بالغاز المضحك أو غاز الضحك (أكسيد النيتروز)، وهو غاز يؤدي استنشاقه إلى انقباض عضلات الفكين، وبقاء الفم مفتوحًا كأنه يضحك (دون بهجة حقيقية)، وكان يستخدم في حفلات الأثير المرحة (نسيان الألم)، والآن صار يستخدم في التخدير، خصوصًا في جراحات الأسنان والفم. ويتحرر الآلي في “غازات ضاحكة” من سطوة نيرمانا (أيقونة الجزء الأول)، منخرطًا في (حالات إنسانية) متتالية ومتشابكة في آن، ينشد فيها الطزاجة والبدائية والدهشة والصدق والإبصار الكشفي.
الحالة الأولى، كما يشير الشاعر شريف الشافعي، هي حالة الألم (معسكر السوس في ضرس العقل الإلكتروني)، وتؤدي إلى البحث عن مسكّن أو علاج. تليها حالة التخدير (استنشاق الغازات)، بما فيها من ابتسامات بلاستيكية (بلون القطن الطبي)، وتواصل باهت مع الآخرين (من الزوار المعقّمين).
ثم تأتي حالة غيبوبة الآلي، وفيها تتضح هلوسات الإنسان الطامح إلى التخلص من برامج التحكم، والارتداد إلى صورته الطينية، والانطلاق الحر نحو جاذبية الأرض، والتحليق في السماء. ثم حالة الموت (الموت في الهواء الطلق: هواء طلق)، التي تجسد انتصارًا لإرادة الحياة الحقيقية لدى الإنسان الحقيقي على قوة أجهزة الإعاشة الجبرية للإنسان الآلي في المستشفى.
تصدر سلسلة “تحولات” عن “المركز العربي للصحافة” برئاسة الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، وبإشراف الشاعر السوري أدونيس، إلى جانب ديوان “الماكنة” للشاعر العراقي علي العطار، وديوان “رأسي البسط، جسدي المقام، أنا كسر بين الأرقام” للشاعر السوري باسم سليمان. ويأتي اختيار أعمال السلسلة من الدواوين العربية، وفق ما يوضحه الشاعر أدونيس في مقدمته، بناء على أساسين في الكتاب الشعري: “الأول، أنه يحقق في رؤيته وطُرُق تعبيره، قطيعة جمالية وفكرية مع الشعر السائد. والثاني، أن فيه ما يؤسس لعلاقات جديدة بين الكلمة والكلمة، وبين الكلمة والشيء، وبين كتابة الشعر من جهة، وقراءته وفهمه وتلقيه من جهة ثانية، ومعنى ذلك أن يكون فيه ما يؤسس لأفق آخر في الكتابة الشعرية العربية جماليًّا ومعرفيًّا”.
يذكر أن الشاعر شريف الشافعي من مواليد مدينة منوف بمصر عام 1972، صدرت له ثمانية دواوين، منها: “بينهما يصدأ الوقت” (القاهرة، 1994)، “وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء” (القاهرة، 1996)، “الألوان ترتعد بشراهة” (القاهرة، 1999)، “كأنه قمري يحاصرني” (بيروت، 2013، دار الغاوون)، “هواء جدير بالقراءة”، باللغتين: العربية والفرنسية (باريس، 2014، دار لارماتان، ترجمة منى لطيف)، “رسائل يحملها الدخان”، باللغتين: العربية والفرنسية (باريس، 2016، دار لارماتان، ترجمة منى لطيف).
وأصدر الشافعي كتابًا بحثيًّا بعنوان “نجيب محفوظ: المكان الشعبيّ في رواياته بين الواقع والإبداع” (الدار المصرية اللبنانية، 2006). وقد صدر ديوان “الأعمال الكاملة لإنسان آلي” من قبل في طبعات عدة بالعربية في بيروت ودمشق ولندن، كما صدر مترجمًا إلى الإنجليزية عن دار “أنباوند كونتنت” (Unbound Content) في نيو جيرسي، بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد شارك الشافعي في ملتقيات ومهرجانات شعرية دولية، منها: مهرجان “لوديف” للشعر بفرنسا، ومهرجان الشعر في جامعة “بريدج ووتر” بالولايات المتحدة الأمريكية، ومهرجانات “مراكش” و”آسفي” و”المضيق” للشعر بالمغرب، ومهرجان الشعر العربي في صور بجنوب لبنان، ومهرجان الجنادرية بالسعودية، ، ومهرجان جرش في الأردن، وغيرها.